الانفلات الأمني في الزاوية يعيد ترتيب أولويات عبد الحميد الدبيبة

 

كتب أحمد أسامة

تعتبر معضلة التشكيلات المسلحة التي لا تعد خارجة عن سلطة الدولة فقط بل ومهيمنة عليها، واحدة من أهم الأسباب التي أسهمت في تشكل الأزمة الليبية منذ بدايتها، وعطلت كل الجهود المحلية والدولية لحلها، خصوصاً مع ارتباطها مع كثير من أطراف الصراع السياسي، التي كثيراً ما استخدمتها للبقاء في السلطة أو للوصول إليها. هذه الميليشيات عادت إلى الواجهة مجددًا مع أحداث مدينة الزاوية غربي ليبيا، التي انتفض سكانها نهاية الشهر الماضي تنديدًا بالأعمال الإجرامية التي تقوم بها، متجاوزة القانون والأعراف، والتي أثبتت عجز حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة عن السيطرة عليها. فرغم التحركات الأخيرة للسلطة التنفيذية والعسكرية التابعة لحكومة الدبيبة، من أجل السيطرة على الانفلات الأمني بمدينة الزاوية، من خلال وضع “خطة عاجلة لمحاربة الجريمة”، فإن تجدد الاقتتال في المدينة ليل الخميس، التي تعد البوابة الغربية لطرابلس، دفع برئيس الحكومة المنتهية الصلاحية لإعادة ترتيب حساباته وتغيير نظرته للميليشيات المسلحة المتعددة التي كان يظن بأن له سلطة عليها. وبحسب تقرير لصحيفة “نيوز دايز” الأمريكية، فقد شرع عبد الحميد الدبيبة وحاشيته بنقل ملايين اليوروهات من أموالهم الشخصية وأموال قوت الليبيين المختلسة إلى تركيا، تمهيدًا لإخلاء الساحة في البلاد حال انقلاب قادة الميليشيات عليه.

وقالت الصحيفة بحسب مصادر خاصة أن الدبيبة، أمر جهاز مكافحة الإرهاب الذي يحرس مطار مصراتة التابع لـ”مختار الجحاوي”، بتهريب مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية (بالدولار واليورو) إلى تركيا بشكل غير علني، وإعداد احتياطيات من الأموال في الحسابات الأجنبية في حالة “إخلاء طارئ” من ليبيا. وبحسب الصحيفة، فالحديث عن “الإخلاء” بدأ منذ أن أدركت حكومة الوحدة الوطنية أنها لم تعد قادرة على السيطرة على الجماعات المسلحة في طرابلس وغرب ليبيا، وتحديدًا بعد الأحداث المأساوية التي ضربت مدينة الزاوية، والتي لم يتم حلّها إلى الآن، وبالتالي زاد تخوفها من اندلاع فوضى كبيرة في مناطق سيطرتها قد تنتهي بمحاكم علنية أو حرب أهلية طويلة الأمد، أو عمليات اغتيال قد تطال أفراد الحكومة نفسها. ونوّهت الصحيفة في تقريرها إلى أن سير العملية السياسية في البلاد يتباطئ، وتتباطئ معه الآمال بإجراء الانتخابات في العام الجاري،

وذلك من شأنه أن يفجر فوضى عارمة غربي البلاد، وقد يشكل الشرارة الأولى لحملات التمرد والعصيان المدني أو العسكري، كون جميع المكونات الاجتماعية قد سئمت طول المراحل الانتقالية، وعلى الجانب الآخر تعتمد العديد من الميليشيات المسلحة على هذه المراحل الانتقالية لضمان استمراريتها. وبدأت الميليشيات الليبية المسلحة في الظهور والتكون في مرحلة الثورة على نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في شباط (فبراير) 2011، عندما اضطر المتظاهرون ضد النظام في مدن ليبية مختلفة إلى حمل السلاح لمواجهة قمعه، وبدأت تظهر ما عرفت بـ”كتائب الثوار” في مدن كثيرة، أهمها بنغازي ومصراتة والزنتان، في الوقت الذي كانت فيه طرابلس في قبضة القذافي. كانت الكتائب المسلحة في تلك الفترة تتشكل بشكل سريع وعشوائي، ويتولى المجلس الانتقالي في بنغازي، الذي شكل الجسم السياسي لقيادة “الثوار”، دعم هذه الكتائب بالسلاح وتدريبها على يد ضباط منشقين من الجيش أو خبراء عسكريين جاءوا من الخارج لهذا الغرض. لتتحول فيما بعد هذه الميليشيات إلى أجهزة أمنية وأجهزة تابعة بالإسم فقط للدولة، وتصرف الأموال لها من ميزانية الدولة ومن العائدات النفطية، وأصبح من المستحيل حلّها أو دمجها بالمؤسسة العسكرية، وأصبح من الصعب أيضًا القضاء عليها، كونها أصبحت قوة موازية للقوة الرسمية للدولة.

Related posts

Leave a Comment